سورة المؤمنون - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


فقال تعالى: {فأنشأنا لكم به} أي بالماء {جنات} أي بساتين {من نخيل وأعناب} إنما أفردهما بالذكر لكثرة منافعهما فإنهما يقومان مقام الطعام والإدام والفواكة رطباً ويابساً {لكم فيها} أي في الجنات {فواكة كثيرة ومنها تأكلون} أي شتاءً وصيفاً {وشجرة} أي وأنشأنا لكم شجرة وهي الزيتون {تخرج من طور سيناء} أي من جبل مبارك وقيل من جبل حسن قيل هو بالنبطية وقيل بالحبشة وقيل السريانية ومعناه الجبل الملتف بالأشجار. وقيل كل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى سيناء وسينين وقيل هو من السناء وهو الارتفاع وهو الجبل الذي منه نودي موسى بين مصر وإيلة وقيل هو جبل فلسطين وقيل سيناء اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده. وقيل هو اسم المكان الذي فيه هذا الجبل {تنبت بالدهن} أي تنبت وفيها الدهن وقيل تنبت بثمر الدهن وهو الزيت {وصبغ للآكلين} الصبغ الأدام الذي يكون مع الخبز ويصبغ به جعل الله في هذه الشجرة المباركة أدماً وهو الزيتون ودهناً وهو الزيت وخصّ جبل الطور بالزيتون لأنه منه نشأ وقيل إن أول شجرة نبتت بعد الطوفان الزيتون وقيل إنها تبقى في الأرض نحو ثلاثة آلاف سنة. قوله عز وجل: {وإن لكم في الأنعام لعبرة} أي أية تعتبرون بها {نسقيكم مما في بطونها} أي ألبانها ووجه الاعتبار فيه أن اللبن يخلص إلى الضرع من بين فرث ودم بإذن الله تعالى ليس فيه منهما شيء فيستحيل إلى الطهارة وإلى طعم يوافق الشهوة والطبع ويصير غذاء، وتقدّم بسط الكلام بما فيه كفاية في سورة النحل {ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون} يعني كما تنتفعون بها وهي حية فكذلك تنتفعون بها بعد الذبح للأكل {وعليها} أي وعلى الإبل {وعلى الفلك تحملون} أي على الإبل في البر وعلى السفن في البحر. قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبد وا الله ما لكم من إله غيره} أي ما لكم معبوداً سواه {أفلا تتقون} أي أفلا تخافون عاقبة إذا عبد تم غيره {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم} أي آدمي مثلكم مشارك لكم في جميع الأمور {يريد أن يتفضل عليكم} أي إنه يحب الشرف والرياسة متبوعاً وأنتم له تبع {ولو شاء الله لأنزل ملائكة} يعني بإبلاغ الوحي {ما سمعنا بهذا} يعني الذي يدعونا إليه نوح {في آياتنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة} يعني جنون {فتربصوا به حتى حين} يعني إلى الموت فتستريحوا منه {قال رب انصرني بما كذبون} يعني أعني بإهلاكهم بتكذيبهم إياي {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا} يعني بمرأى منا قاله ابن عباس.
وقيل بعلمنا وحفظنا لئلا يتعرض له أحد ولا يفسد عليه عمله {ووحينا} قيل: إن جبريل علمه عمل السفينة ووصف له كيفية اتخاذها {فإذا جاء أمرنا} يعني عذابنا {وفار التنور} قيل هو التنور الذي يخبز فيه وكان من حجارة، وقيل التنور هو وجه الأرض والمعنى أنك إذا رأيت الماء يفور من التنور {فاسلك فيها} يعني فأدخل في السفينة {من كل زوجين اثنين} يعني من كل حيوان ذكر وانثى {وأهلك} يعني وسائر من آمن بك {إلا من سبق عليه القول} يعني وجب عليه العذاب {منهم} يعني الكفار وقيل أراد بأهله أهل بيته خاصة والذي سبق عليه القول منهم هو ابنه كنعان {ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} قوله عز وجل: {فإذا استويت} يعني اعتدلت {أنت ومن معك على الفلك} يعني في السفينة {فقل الحمد لله الذين نجانا من القوم الظالمين} يعني الكافرين {وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً} قيل موضع النزول وهو السفينة عند الركوب. وقيل هو وجه الأرض بعد الخروج من السفينة وأراد بالبركة النجاة من الغرق وكثرة النسل بعد الإنجاء {وأنت خير المنزلين} معناه أنه قد يكون الإنزال من غير الله كما يكون من الله فحسن أن يقول وأنت خير المنزلين لأنه يحفظ من أنزله ويكلؤه في سائر أحواله ويدفع عنه المكره بخلاف منزل الضيف فإنه لا يقدر على ذلك.


{إن في ذلك} يعني الذي ذكر من أمر نوح والسفينة وإهلاك أعداء الله {لآيات} يعني دلالات على قدرتنا {وإن كنا} يعني وما كنا {لمبتلين} يعني إلا مختبرين إياهم بإرسال نوح ووعظه وتذكيره لننظر ما هم عاملون قبل نزول العذاب بهم. قوله تعالى: {ثم أنشأنا من بعدهم} يعني من بعد إهلاكهم {قرناً آخرين} يعني عاداً {فأرسلنا فيه رسولاً منهم} يعني هوداً قاله أكثر المفسرين وقيل القرن ثمود والرسول صالح والأول أصح {إن اعبد وا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} يعني هذه الطريقة التي أنتم عليها مخافة العذاب {وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة} يعني بالمصير إليها {وأترفناهم} يعني نعمناهم ووسعنا عليهم {في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون} يعني من مشاربكم {ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون} يعني لمغبونون {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} يعني من قبوركم أحياء {هيهات هيهات} قال ابن عباس أي بعيد بعيد {لما توعدون} استبعد القوم بعثهم بعد الموت إغفالاً منهم للتفكر في بدء أمرهم وقدرة الله على إيجادهم وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبداً {إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا} قيل معناه نحيا ونموت لأنهم كانوا ينكرون البعث وقيل يموت الآباء ويحيا الأبناء وقيل معناه يموت قوم ويحيا قوم {وما نحن بمبعوثين} يعني بعد الموت {إن هو} يعنون رسولهم {إلا رجل افترى على الله كذباً وما نحن له بمؤمنين} يعني بمصدقين بالبعث بعد الموت {قال رب انصرني بما كذبون قال عمّا قليل ليصبحن} يعني ليصيرن {نادمين} على كفرهم وتكذيبهم {فأخذتهم الصيحة بالحق} يعني صيحة العذاب وقيل صاح بهم جبريل فتصدعت قلوبهم وقيل أراد بالصيحة الهلاك {فجعلناهم غثاء} هو ما يحمله السيل من حشيش وعيدان الشجر، والمعنى صيرناهم هلكى فيبسوا يبس الغثاء من بنات الأرض {فبعداً} يعني ألزمنا بعداً من الرحمة {للقوم الظالمين}. قوله عز وجل: {ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين} يعني أقواماً آخرين {ما تسبق من أمة أجلها} يعني وقت هلاكها {وما يستأخرون} يعني عن وقت هلاكهم {ثم أرسلنا رسلنا تترى} يعني مترادفين يتبع بعضهم بعضاً غير متواصلين لأن بين كل رسولين زمناً طويلاً {كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً} يعني بالهلاك فأهلكنا بعضهم في أثر بعض {وجعلناهم أحاديث} يعني سمراً وقصصاً يتحدث من بعدهم بأمرهم وشأنهم {فبعداً لقوم لا يؤمنون}.


قوله تعالى: {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين} يعني بحجة بينة كالعصا واليد وغيرهما {إلى فرعون وملئه فاستكبروا} يعني تعظموا عن الإيمان {وكانوا قوماً عالين} يعني متكبرين قاهرين غيرهم بالظلم {قالوا} يعني فرعون وقومه {أنؤمن لبشرين مثلنا} يعنون موسى وهارون {وقومهما لنا عابدون} يعني مطيعون متذللون {فكذبوهما فكانوا من المهلكين} يعني بالغرق {ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة {لعلهم يهتدون} يعني لكي يهتدي به قومه. قوله عز وجل: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} يعني دلالة على قدرتنا لأنه خلقه من غير ذكر وأنطقه في المهد. فإن قلت لم قال آية ولم يقل آيتين. قلت معناه جعلنا شأنهما آية لأن عيسى ولد من غير ذكر وكذلك مريم ولدته من غير ذكر فاشتركا في هذه الآية فكانت آية واحدة {وآويناهما إلى ربوة} يعني مكان مرتفع قيل هي دمشق وقيل هي الرملة وقيل أرض فلسطين وقال ابن عباس هي بيت المقدس. قال كعب بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً. وقيل هي مصر وسبب الأيواء أنها فرت بابنها إليها. وقوله: {ذات قرار} يعني منبسطة واسعة يستقر عليها ساكنوها {معين} هو الماء الجاري الذي تراه العيون. قوله تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} قيل أراد بالرسل محمداً صلى الله عليه وسلم وحده وقيل أراد به عيسى عليه السلام وقيل أراد جميع الرسل وأراد بالطيبات الحلال {واعملوا صالحاً} أي استقيموا على ما يوجبه الشرع {إني بما تعملون عليم} فيه تحذير من مخالفة ما أمرهم به وإذا كان الرسل مع علو شأنهم كذلك فلأن يكون تحذيراً لغيرهم أولى لما روي عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} وقال {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك» أخرجه مسلم. قوله عز وجل: {وإن هذه أمتكم} أي ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها {أمة واحدة} أي ملة واحدة وهي الإسلام {وأنا ربكم فاتقون} أي فاحذرون وقيل معناه أمرتكم بما أمرت به المرسلين قبلكم فأمركم واحد وأنا ربكم فاتقون {فتقطعوا} أي تفرقوا فصاروا فرقاً يهوداً ونصارى ومجوساً وغير ذلك من الأديان المختلفة {أمرهم} أي دينهم {بينهم وزيراً} أي فرقاً وقطعاً مختلفة وقيل معنى زبراً أي كتباً، والمعنى تمسك كل قوم بكتاب فآمنوا به وكفروا بما سواه من الكتب {كل حزب بما لديهم فرحون} أي مسرورون معجبون بما عندهم من الدين {فذرهم} الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم {في غمرتهم} قال ابن عباس في كفرهم وضلالتهم وقيل في عمايتهم وغفلتهم {حتى حين} أي إلى أن يموتوا {أيحبسون أنما نمدهم به من مال وبنين} أي ما نعطيهم ونجعله لهم مدداً من المال والبنين في الدنيا {نسارع لهم في الخيرات} أي نعجل لهم ذلك في الخيرات ونقدمه ثواباً لأعمالهم لمرضاتنا عنهم {بل لا يشعرون} أي إن ذلك استدراج لهم ثم ذكر المسارعين في الخيرات فقال تعالى: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} أي خائفون، والمعنى أن المؤمنين بما هم عليه من خشية الله خائفون من عقابه.
قال الحسن البصري المؤمن جمع إحساناً وخشية والمنافق جمع إساءة وأمناً {والذين هم بآيات ربهم يؤمنون} يعني يصدقون {والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا} أي يعطون ما أعطوا من الزكامة والصدقات. وقيل معناه يعملون ما عملوا من أعمال البر {وقلوبهم وجلة} أي خائفة أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وأنّ أعمالهم لا تقبل منهم {أنهم إلى ربهم راجعون} أي إنهم يوقنون أنهم إلى الله صائرون. قال الحسن عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم. عن عائشة قالت: «قلت يا رسول الله والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجله هم الذين يشربون الخمر ويسرقون قال لا يا بنت الصدّيق ولكن هم الذي يصومون ويتصدّقون ويخافون أن لا يقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات» أخرجه الترمذي.

1 | 2 | 3 | 4